الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)
.الفصل الحادي والعشرون: يا ساعيًا لنفسه في المهالك، دنا الرحيل ونضو النقلة بارك، متى تذكر وحشتك بعد إيناسك؟ متى تقتدي من ناسك بناسك؟ كأنك بك قد خرجت عن أهلك وولدك، وانفردت عن عددك وعددك، وقتلك بسيف الندم ولم يدك، ورحلت ولم يحصل بيدك إلا عض يدك.يا من يذنب ولا يتوب، كم قد كتبت عليك ذنوب؟ خل الأمل الكذوب، فرب شروق بلا غروب، وا آسفي أين القلوب؟ تفرقت بالهوى في شعوب، ندعوك إلى صلاحك ولا تؤوب، واعجبًا الناس ضروب، متى تنته لخلاصك أيها الناعس؟ متى تطلب الأخرى يا من على الدنيا ينافس؟ متى تذكر وحدتك إذ انفردت عن موانس؟ يا من قلبه قد قسا وجفنه ناعس، يا من تحدثه الأماني دع هذه الوساوس.أين الجبابرة الأكاسرة الشجعان الفوارس، أين الأسد الضواري والظباء الكوانس، أين من اعتاد سعة القصور حبس من القبور في أضيق المحابس، أين الرافل في أثوابه عري في ترابه عن الملابس، أين الغافل في أمله عن أجله سلبه كف المخالس، أين حارس المال، أخذ المحروس وقتل الحارس.يا مضمرًا حب الدنيا إضمار الجمل الحقود، نبعث منقاش اللوم وما يصل إلى شظايا المحبة، الدنيا جيفة قد أراحت ومزكوم الغفلة ما يدري، سوق فيها ضجيج الهوى، فمن يسمع المواعظ. إذا أردت دواء حبها فما قل في الشربة صبر، انفرد في صومعة الزهد، واحفر خندق الحذر، وأقم حارس الورع، ولا تطلع من خوخة مسامحة فإن البغي في الفتى صناع.لصردر: حصّن حصن التقى بسور القناعة، فإن لص الحرص يطلب ثمة، غريم الطبع متقاض ملح، والشره شرك، وخمار المنى داء قاتل، بينا الحرص يمد وتر الأمل انقطع، هل العيش إلا كأس مشوبة بالكدر ثم رسوتها الموت {فابتغوا عند الله الرزق}.قال محمد بن واسع لو رأيتم رجلًا في الجنة يبكي، أما كنتم تعجبون؟ قالوا بلى، قال: فأعجب منه في الدنيا رجل يضحك ولا يدري إلى ما يصير؟ ضحك بعض الصالحين يومًا ثم انتبه لنفسه فقال: تضحكين؟ وما جزت العقبة، والله لا ضحكت بعدها، حتى أعلم بماذا تقع الواقعة؟ فرغ القوم قلوبهم من الشواغل، فضربت فيها سرادقات المحبوب، فأقاموا العيون تحرس تارة، وترش الأرض تارة، هيهات هان سهر الحراس لما علموا أن أصواتهم بسمع الملك.لابن المعتز: قلوب العارفين، مملوءة بذكر الحبيب، ليس فيها سعة لغيره. إن نطقوا فبذكره، وإن تحركوا فبأمره، وإن فرحوا فلقربه، وإن ترحوا فلعتبه. أقواتهم ذكرى الحبيب، وأوقاتهم بالمناجاة تطيب، لا يصبرون عنه لحظة، ولا يتكلمون في غير رضاه بلفظة. كم تدرس أخبارهم وما تدرس، لئن طواهم الفناء لقد نشرهم الثناء، لو سمعتهم في الدجا يعجون، لو رأيتهم في الأسحار يضجون، لولا نسايم الرجاء كانوا ينضجون. .الفصل الثاني والعشرون: أيها الحاطب على أزره، وزرًا وآثامًا، تنبه ترى الدنيا أحلى ما كانت أحلامًا، كم نكس الموت فيها أعلامًا أعلى ما، كم أذل بقهره أقوامًا أقوى ما، لا كان مفتاح أمسى له الموت ختامًا.التبعات تبقى واللذات تمر، وغب الأرى وإن حلا فهو مر، وكأن قد عوى في دار العوافي ذئب الضر، وما يلهي شيء من الدنيا ويسر إلا يؤذي ويضر، وقد بانت عيوبها، فليس فيها ما يغر وإنما يعشقها الجهول ويأنف منها الحر. أخواني، ربما أورد الطمع ولم يصدر، كم شارب شرق قبل الري؟ من أخطأته سهام المنية قيده عقال الهرم، ألا يتيقظ العاقل بأضرابه، ألا يتنبه الغافل بأوصابه، أيسلم والرامي تحت ثيابه؟ يا مريضًا أتعب الأطباء ما به، كأنك بالدنيا التي تقول مرحبًا قد حلت الحبى وتفرقت أيدي سبا.ويحك أخوك من عذلك لا من عذرك، صديقك من صدقك لا من صدّقك، ويحك من يطربك يطغيك، ومالا يعنبك يعنيك، تتوب صباحًا فإذا أمسيت تحول وتعول وتقول غير أنك تنقض ما تقول، وتتلون دائمًا كما تتلون الغول.يا عبد الهوى، إن دعا أمّنت وإن ادعى آمنت، كم قال لك الهوى وما سمعت، أنا مكار وتبعت، والله لقد أفتك أضعاف ما أفدتك، ولقد أعذر من أنذر، وما قصر من بصر، لما رأى المتيقظون سطوة الدنيا بأهلها، وخداع الأمل لأربابها لجأوا إلى حصن الزهد، كما يأوي الصيد المذعور إلى الحرم، لاح لهم حب المشتهي، فلما مدوا إليه أيدي التناول بان لأبصار البصائر، خيط الفخ فطاروا بأجنحة الحذر، وصوتوا إلى الرعيل الثاني {يا ليتَ قومي يعلمون} جمعوا الرحل قبل الرحيل، وشمروا في سواء السبيل، فالناس في الغفلات وهم في قطع الفلاة {تلك أمة قد خلتْ} لو رأيت مطايا أجسامهم، وقد أذا بها السرى فهي تحن مما تجن فتبكي الحداد.للمصنف: دارت قلوب القوم في دائرة الخوف، دوران الكرة تحت الصولجان فهاموا في فلوات القلق، فمن خايف مستجير، ومن واحد يقول، ومن سكران يبث. طالت عليهم بادية الرياضة، ثم بدت بعدها الرياض، استوطنوا فردوس الأنس في قلة طور الطلب. وقفت على قبر بعض الصالحين فقلت: يا فلان، بماذا نلت تردد الأقدام إليك؟ فقال: أقدمت على رد الهوى بلا تردد، فترددت إلي الأقدام، كان عطر إخلاصي خالصًا فعبق نشره بالأرواح.للمهيار: أدلج القوم طول الليل في السرى، وخافوا عوز الماء فتمموا المزاد بالبكاء. سكن الخوف قلوبهم فإذا بها، فإذا بها في محلة الأمن، نحلوا المعرفة فتحلوا فعمر قصر القلب للملك، وقنعت الحواشي في القاع بالخيم. يا هذا، سرادق المحبة لا يضرب إلا في قاع فارغ نزه (فرِّغ قلبك من غيري،أسكنه).للشريف الرضي: بحق لا بد أن المحبين تذوب، ولسماء أعينهم تهمي وتصوب، لو حملوا جبال الأرض مع كر الكروب، كان ذلك قليلًا في حب المحبوب.لابن المعتز:
|